المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» (2)


نزف القلم
06-02-2021, 11:49 PM
شرح حديث: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فاستكمالًا لشرح حديث: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ»:
المسألة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما الحلم بالتحلم»، والحلم هو: العفو والصفح عمن أساء إليك مع القدرة على الانتقام، وهو من الأخلاق الفاضلة التي لم ينل غايتها إلا القليل، وقد تكون هذه الخصلة جبلة للشخص، تفضل الله بها عليه، كما روى مسلم في صحيحه من حديث أشج عبد القيس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ»[1]، وفي رواية قال: شَيْءٌ جُبِلْتُ عَلَيْهِ أَوْ شَيْءٌ أَتَخَلَّقُهُ؟ قَالَ: «بَلْ جُبِلْتَ عَلَيْهِ»، قَالَ: الْحَمْدُ لله[2].
وتحصل بالاكتساب، فبالتعلم يُنال الحلم، قال الأحنف ابن قيس: «إني لست بحليم، ولكني أتحالم».
وممن اشتهر بذلك، الصحابي الجليل سيد أهل البادية قيس بن عاصم المنقري التميمي، والأحنف بن قيس التميمي.
ومن عجيب ما جرى، ما ذكره الأحنف بن قيس، فقد قيل له: مما تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، رأيته يومًا محتبيًا، فأُتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك، فالتفت إلى ابن أخيه فقال: يابن أخي بئسما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، ورميت نفسك بسهمك، ثم قال لابن آخر له: قم يا بُنَيَّ فوار أخاك وحُل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمه مائة ناقة دية ابنها، فإنها غريبة[3].
ففي هذه وغيرها استحق رضي الله عنه أن يقال فيه:
عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ
وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا
وَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكٌ وَاحِدٌ
وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا
وإليك قصة وفوده على النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من الفوائد والعبر، روى البخاري في الأدب المفرد عن قيس بن عاصم السعدي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَر»، فقلت: يا رسول الله! ما المال الذي ليس عليّ فيه تبعة من طالب ولا من ضيف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الْمَالُ أَرْبَعُونَ، وَالأَكْثَرُ[4] سِتُّونَ، وَوَيْلٌ لأَصْحَابِ الْمِئِينَ إِلا مَنْ أَعْطَى الْكَرِيمَةَ، وَمَنَحَ الْغَزِيرَةَ، وَنَحَرَ السَّمِينَةَ، فَأَكَلَ، وَأَطْعَمَ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»[5].
قلت يا رسول الله! ما أكرم هذه الأخلاق، لا يحل بوادٍ أنا فيه من كثرة نَعَمي، فقال: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِالْعَطِيَّةِ؟» قُلْتُ: أُعْطِي الْبَكْرَ[6]، وَأُعْطِي النَّابَ[7]، قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَنِيحَةِ[8]؟» قَالَ: إِنِّي لأَمْنَحُ النَّاقَةَ، قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الطَّرُوقَةِ[9]؟» قَالَ: يَغْدُو النَّاسُ بِحِبَالِهِمْ، وَلا يُوزَعُ[10] رَجُلٌ مِنْ جَمَلٍ يَخْتَطِمُهُ[11]، فَيُمْسِكُهُ مَا بَدَا لَهُ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرُدَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَمَالُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مَالُ مَوَالِيكَ؟» قَالَ: مَالِي، قَالَ: «فَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ، وَسَائِرُهُ لِمَوَالِيكَ».
فقلت: لا جرم، لئن رجعت لأقلن عددها. فلما حضره الموت جمع بنيه فقال: يا بني، خذوا عني؛ فإنكم لن تأخذوا عن أحد هو أنصح لكم مني، لا تنوحوا علي؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن النياحة، وكفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها، وسوّدوا أكابركم؛ فإنك إذا سودتم أكابركم لم يزل لأبيكم فيكم خليفة، وإذا سوّدتم أصاغركم هان أكابركم على الناس، وزهدوا فيكم، وأصلحوا عيشكم؛ فإن فيه غنًى عن طلب الناس، وإياكم والمسألة؛ فإنها آخر كسب المرء.
وإذا دفنتموني فسووا علي قبري؛ فإنه كان يكون شيء بيني وبين هذا الحي من بكر بن وائل: خُمشات[12]، فلا آمن سفيهًا أن يأتي أمرًا يُدخل عليكم عيبًا في دينكم[13].
ومن الحلماء المشهورين: معاوية رضي الله عنه، وله في ذلك قصص مشهورة، وكان يقول: «لا حليم إلا ذو تجربة»، وذلك أن الحلم في ظاهره مذلة وعيب، ولكن مع التجارب وحسن النتائج تبين فضله وعظيم منزلته.
أما عن حلمه صلى الله عليه وسلم فذاك أمر لا تحويه القراطيس، ولا يحيط به بليغ الكلام، وبالنية إفراد التذكير به بكلمة مستقلة.
ملاحظـة:
قوله صلى الله عليه وسلم في الجملتين "إنما": هذه تأتي للحصر، ولكن ليس ذلك على الإطلاق كما نبه على ذلك أهل الأصول واللغة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] برقم 17.
[2] صحيح ابن حبان برقم 7159.
[3] الإصابة في تمييز الصحابة (9 /126).
[4] الأصل: والكثرة، والتصحيح من مصادر الحديث الآتي ذكرها؛ ثقات ابن حبان وغيره.
[5] القانع: السائل، والمعتر: من يأتي للمعروف من غير أن يسأل.
[6] الشاب من الإبل.
[7] الناب: الناقة المسنة.
[8] المنيحة: قال في النهاية: ومنحة اللبن: أن يعطيه ناقة أو شاة، ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانًا ثم يردها (4 /364).
[9] الطروقة: الناقة التي بلغت أن يضربها الفحل.
[10] ولا يوزع: أي لا يمنع.
[11] أي: يجعل على أنفه خطامًا، والخطام: ما يوضع على أنف الجمل من الزمام ليقاد به.
[12] خُماشات: واحدها خُماشة، أي: جراحات وجنايات وهي كل ما كان دون القتل والدية، من قطع، أو جدع، أو جرح، أو ضرب، أو نهب، ونحو ذلك من أنواع الأذى، النهاية في غريب الحديث (2 /80).
[13] ص358 - 359 برقم 953، تحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقال: حسن لغيره.
د. أمين بن عبدالله الشقاوي

لـحـن
06-02-2021, 11:53 PM
بارك الله فيك ونفع بِك ..
على طرح موضوعك القيم
وأسلمت الايادي ويعطيك العافيه
تقديري مع احترامي.

أمير المحبه
07-02-2021, 09:23 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

ملكة الحنان
07-02-2021, 09:41 PM
جزاك الله خير الجزاء
ورزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعل ما كتب في مــــــوازين حســــــــــناتك
ورفع الله قدرك في الدارين

وليد
16-02-2021, 09:36 PM
جزاك الله خيرا
وبارك بك على طرحك الطيب
ولا حرمك الأجر

غرام الشوق
07-03-2021, 10:46 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك بموازين حسناتك
ويعطيك العافيه ع الموضوع
بنتظارجديدك الراقي بكل شوق
تحياتي وعطر وردي
:wahjj.1:

راعي الطيب
15-03-2021, 09:42 AM
طرح مميز ورائع
يعطيك الف عافية على جمال طرحك
سلمت يداك لروعة الانتقاء
لاَحُرِمنَآ عَطآئِكْ المميز
لقلبك الفرح والسرور

نقطه
26-03-2021, 02:09 AM
https://files2.up4.cc/2020-12/160889088182481.gif

ندووشاا
24-06-2023, 05:00 PM
جزاك الله خير وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنه أن شاء الله على ما قدمت
دمت بطاعه الرحمن ~