المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)


نزف القلم
01-06-2021, 11:16 AM
(الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى، وقتال من منع الزكاة، أو غيرهما من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله. فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله؟" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: فَوَالله مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ.فَعَرفتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
وفي رواية لمسلم: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله. وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ........ وفي رواية له: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾.
وعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ. وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللّهِ".
أولاً: ترجمة راوي الحديث:
أبو هريرة تقدمت ترجمته في الحديث الأول، وابن عمر تقدمت ترجمته في الحديث السادس.
ثانياً: تخريج الحديثين:
أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم حديث (20)، وأخرجه البخاري في "كتاب الزكاة" "باب وجوب الزكاة" حديث (1399)، وأخرجه أبو داود في "كتاب الزكاة" حديث (1556و1557)، وأخرجه الترمذي في "كتاب الإيمان" "باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" حديث (2607)، وأخرجه النسائي في "كتاب الزكاة" "باب مانع الزكاة" حديث (2442).
وأما حديث جابر فأخرجه مسلم حديث (21)، وأخرجه الترمذي في "كتاب تفسير القرآن" "باب ومن سورة الغاشية" حديث (3341).
وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم حديث (22)، وأخرجه البخاري في "كتاب الإيمان" "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" حديث (25).
ثالثاً: شرح ألفاظ الحديث:
(وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ): أي صار خليفة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - (وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ): وهذا حصل بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتدَّت العرب إلا ثلاثة مساجد كما نقل ابن إسحاق: مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جواثا الذي يصلي فيه بني عبد القيس، وذكر القاضي عياض أن أهل الردة في ذلك الوقت على ثلاثة أصناف:
صنف كفر بعد إسلامه وعاد لجاهليته، واتبع مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وصدق بهما، وصنف أقر بالإسلام إلا الزكاة فجحدها.
وصنف أقر بوجوبها لكنه امتنع عن دفعها لأبي بكر وقالوا: إن ذلك خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾، فرأى أبو بكر والصحابة قتالهم جميعهم، الصنفان الأولان لكفرهم والثالث لامتناعهم.
وذكر القرطبي وغيره أن الصنف الثالث هم الذين أشكل أمرهم على عمر وراجع فيهم أبا بكر حتى ظهر الحق. ولا يعتبرون كفارا وإنما بغاة كما ذكر النووي. [انظر شرح النووي لمسلم حديث (22،20) وانظر المفهم للقرطبي حديث (18،17) باب يقاتل الناس إلى أن يوحِّدوا الله ويلتزموا شرائع دينه].
(عَصَمَ): منع، والعصمة المنع والامتناع.
(إِلاَّ بِحَقِّهِ): أي بحق الإسلام، والمقصود أن من قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله لأنه يحكم بإسلامه بناء على الظاهر ثم يجبر على حقوق الإسلام الأخرى فإن أقرَّ بها وإلا عوقب بحسب ما أنكر، ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه:"فإن الزكاة حق المال".
(وَالله لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً): وفي رواية للبخاري (عَنَاقاً) بفتح العين والنون وهي الأنثى من ولد المعز. وأما (عِقَالاً) فبكسر العين وفتح القاف واخْتُلف في معناها: فقيل: المقصود بها فريضة الإبل، وقيل: صدقة سنة كاملة، وقيل: كل شيء يؤخذ في الزكاة، وقيل: الحبل الذي يعقل به البعير، وهذا هو اختيار النووي والقرطبي وابن حجر، بل جزم النووي: "هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره".
ولا شك أن السياق يقتضي المبالغة في التقليل والقول الأخير يناسب. [انظر شرح النووي لمسلم حديث (20)، والمفهم للقرطبي، "باب يقاتل الناس إلى أن يوحِّدوا الله ويلتزموا شرائع دينه" حديث (17)، والفتح، باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة هو في كتاب استتابة المرتدين حديث (6924)].
﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾: وهذه الآية جاءت في حديث جابر فإن جابر لما نقل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو حديث أبي هريرة قال ثم قرأ: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾ وهذا قبل أن يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقتال وإنما التذكير فقط، قال النووي: "قال المفسرون: معناه إنما أنت واعظ، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم -أمر إذ ذاك إلا بالتذكير ثم أمر بعد ذلك بالقتال".[انظر شرح النووي لمسلم حديث(21)].
رابعا: من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على أنه يجب على ولي الأمر أن يقاتل الناس حتى يدخلوا الإسلام حتى يقولوا لا إله إلا الله، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ولا آمر لرسول الله إلا الله جل وعلا، فيقاتل الناس حتى يدخلوا في الإسلام ولكن هذا الوجوب مقيَّد بالاستطاعة كما هي الحال في سائر الواجبات، قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم ﴾ وفي الصحيحين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" فإذا لم يكن لولي الأمر الاستطاعة فلا وجوب حينئذ، فقد مكث المسلمون في ثلاث عشرة سنة معذبين ضعفاء ولم يؤمروا بقتال حتى قويت شوكتهم فأمروا بالقتال.
الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن من قال (لا إله إلا الله) حكم له بإسلام ولابد له مع ذلك (شهادة أن محمدا رسول الله) فإن كلمة التوحيد تقتضيها وأيضا دلَّ عليها حديث ابن عمر في الباب وحذفت من حديث أبي هريرة اختصارا، وأيضا لابد من الإيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن حقيقة الإيمان برسول الله الإيمان بما جاء به، وأيضا دلَّ على ذلك رواية مسلم الأخرى وفيها: "ويؤمنوا بما جئت به" فشرط الإيمان الإقرار بالشهادتين والإيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.
الفائدة الثالثة: الحديث دليل على مراجعة ومناظرة الأكابر، فقد راجع عمر أبا بكر - رضي الله عنهما -وفي هذه المراجعة عدة وقفات:
الأولى: حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على اتباع الحق المؤيَّد بالدليل، ولم يكن إجلالهم لبعض يمنع من المراجعة واتباع الدليل مهما بلغت منزلة المخالف، وهكذا ينبغي للمسلم وطالب العلم على وجه الخصوص أن يجعل الدليل هو حكمه في المسائل، وأن يراجع أهل العلم فيما لم يظهر له من حجة وبيان.
الثانية: اختلاف الأفهام في فهم النصوص التي يستدل بها على الأحكام، وحديث الباب دليل على أن الاختلاف في الفروع موجود وعلى عهد الصحابة رضي الله عنهم، والمجتهد في دائرة الأجر إن أصاب له أجران وإن أخطأ فله أجر واحد.ا
الثالثة: سعة علم أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حيث كان الدليل وثبوت الحجة معه - رضي الله عنه - وأرضاه وأنه أقرب إلى الصواب، ويدل على ذلك إقرار عمر - رضي الله عنه - له بذلك في آخر الحديث.
الرابعة: الرجوع إلى الصواب بعد التبيُّن ووضوح الحجة فها هو عمر - رضي الله عنه - يُقرُّ لأبي بكر بالصواب وعرف أن ما اجتهد فيه هو الحق، وفي هذا أبلغ موقف في تلمس الحق والسعي والرجوع إلى الدليل والحق ولو كان مخالفا لما رآه أول الأمر، وفي هذا أبلغ النماذج في البعد عن التعصب للآراء والاجتهادات وإنما هو اتباع الحق المؤيد بالدليل.
الخامسة: شجاعة أبي بكر الصديق وثباته في قتال المرتدين فالموقف عصيب جدا حيث ارتدت جموع غفيرة ومع ذلك ثبت - رضي الله عنه - واستطاع أن يعيد للإسلام صولته.
السادسة: كان استدلال أبي بكر على عمر - رضي الله عنهما - من وجهين:
الأول: الاستثناء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه" والزكاة حق من حقوق الإسلام لابد من تأديته فيعاقب من امتنع عن هذا الحق بما يستحق، ولذا قال أبو بكر:"فإن الزكاة حق المال".
والثاني: القياس، فكما أن تاركوا الصلاة يستحقون القتال فكذلك من ترك الزكاة، ولذا قال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" وفي هذا دلالة على جواز استعمال القياس والعمل به.
السابعة: الأدب حين المناظرة واختيار ما يناسب من الألفاظ والبعد عن ألفاظ التجريح للمخالف، فعمر - رضي الله عنه - لم يقل لأبي بكر أخطأت يا أبا بكر وعارضت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما قال له: "كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله...." وفي هذا غاية الأدب وذلك بترك التصريح في وقوع المخالف بالخطأ والعدول عنه إلى أسلوب غير مباشر.
الثامنة: اجتهاد الأئمة في النوازل وردها إلى الأصول وهكذا ينبغي للمجتهد في أحكام النوازل أن يردها إلى الأصول فبها المستمسك الصحيح والقرب إلى الحق.
التاسعة: فيه أن المجتهد لا يقلد المجتهد مادام من أهل الاجتهاد، فعمر - رضي الله عنه -لم يقلد أبا بكر، بل اعترض بما يراه بعد اجتهاده، ثم تبيَّن له أن الحق مع أبي بكر - رضي الله عنه -ثم آل اجتهاده إلى أن يوافق أبا بكر - رضي الله عنه - في اجتهاده
العاشرة: فيه أن المتناظرين قد يخفى عليهما الدليل حين المناظرة ووجه ذلك أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - حين المناظرة احتجا بالقياس على وجوب قتال مانعي الزكاة، مع أن حديث ابن عمر في الباب نص في المسألة ولم يحتجا به قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة..." فيحتمل أنهما حين المناظرة لم ينقدح في أذهانهما حديث ابن عمر أو أنهما لم يسمعاه من قبل فلم يستدلا به لأنهما لو استدلا به لارتفع البحث بينهما فهو نص في المطلوب.
قال ابن حجر: "وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم، ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها، ولا يقال كيف خفي ذا على فلان؟ والله الموفق" [انظر الفتح، كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، حديث (25)].
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)

لـحـن
01-06-2021, 11:17 AM
بارك الله فيك ونفع بِك ..
على طرح موضوعك القيم
وأسلمت الايادي ويعطيك العافيه
تقديري مع احترامي.

أمير المحبه
01-06-2021, 01:58 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

راعي الطيب
04-06-2021, 03:24 PM
جزاك الله خير الجزاء
ونفع الله بكم وسدد خطاكم
انتقاء قيم
بارك الله فيك ونفع بطرحك

شمس
25-06-2021, 01:30 AM
بارك الله فيك على الموضوع القيم
والمميز وفي انتظار جديدك الأروع
والمميز لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب

ملكة الحنان
28-06-2021, 01:52 AM
جزاك الله خير الجزاء ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك
والبسك لباس التقوى والغفران

ندووشاا
24-06-2023, 05:16 PM
جزاك الله خير وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنه أن شاء الله على ما قدمت
دمت بطاعه الرحمن ~