المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم السَّاعة


نزف القلم
02-08-2021, 08:30 AM
علم السَّاعة غيبٌ لا يعلَمُه إلا الله تعالى؛ كما دلَّت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ فإن علم السَّاعة مما استأثر الله به، فلم يطلع عليه ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا (ذهب البرزنجي في الإشاعة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم علم وقت الساعة، ونهي عن الإخبار بها، وهذا غلط فاحش منه.انظر: الإشاعة لأشراط الساعة)، فلا يعلم أحد متى تقوم السَّاعة؛ إلا الله تعالى .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكر السَّاعة وأهوالها، فكان الناس يسألونه عن وقت قيام السَّاعة، فكان يخبرهم أن ذلك غيب لا يعلمه إلا الله، وكان الآيات القرآنية تتنزل مبينة أن علم السَّاعة مما اختص الله تعالى به نفسه .
ومن ذلك قوله تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) " [الأعراف: 187] .
فالله تعالى يأمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن علم السَّاعة عند الله وحده، فهو الذي يعلم جلية أمرها، ومتى يكون قيامها؛ لا يعلم ذلك أحد من أهل السماوات والأرض :
كما قال تعالى : " يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعة قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعة تَكُونُ قَرِيبًا (63) " [الأحزاب: 63] .
وكما قال تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) " [النازعات: 42- 44] .
فمنتهى علم السَّاعة إلى الله وحده .
ولهذا لما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت السَّاعة – كما في حديث جبريل الطويل - قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " (صحيح البخاري) .
فجبريل لا يعلم متى تقوم السَّاعة، وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم .
وأيضًا؛ فإن عيسى عليه السلام لا يعلم متى تقوم السَّاعة، مع أنه ينزل قرب قيامها، وهو من علامات السَّاعة الكبرى؛ كما سيأتي .
روى الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم؛ عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى " .
قال : " فتذاكروا أمر السَّاعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها. فردوا الأمر إلى موسى، فقال : لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى عيسى، فقال : أما وجبتها؛ فلا يعلمها أحد إلا الله، ذلك، وفيما عهد إلى ربي أن الدجال خارج، قال : ومعي قضيبان، فإذا رآني؛ ذاب كما يذوب الرصاص،قال : فيهلكه الله " (مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر، وقال: إسناده صحيح وضعفه الألباني في كتابه ضعيف الجامع الصغير) .
فهؤلاء أولو العزم من الرسل لا يعلمون متى تقوم السَّاعة .
وروى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : " تسألوني عن السَّاعة ؟ وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مئة سنة " (صحيح مسلم) .
فهذا الحديث ينفي احتمال أن يكون علمها النبي صلى الله عليه وسلم بعد سؤال جبريل عنها .
قال ابن كثير : " فهذا النبي الأمي، سيد الرسل، وخاتمهم، صلوات الله عليه وسلامه، نبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، والعاقب، والمقفي، والحاشر، الذي تحشر الناس على قدميه، مع قوله فيما ثبت عنه في "الصحيح" من حديث أنس وسهل بن سعد رضى الله عنهم : " بعثت أنا والسَّاعة كهاتين " (صحيح البخاري) وقرن بين إصبعيه السبابة والتي تليها، ومع هذا كله قد أمره الله تعالى أن يرد علم وقت السَّاعة إليه إذا سئل عنها، فقال : " قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " [الأعراف: 187] " (تفسير ابن كثير) .
ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم متى تقوم السَّاعة؛ فهو جاهل؛ لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية السابقة ترد عليه .
قال ابن القيم : " وقد جاهر بالكذب بعض من يدعي في زماننا العلم، وهو يتشبع بما لم يعط، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم متى تقوم السَّاعة، قيل له : فقد قال في حديث جبريل : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " ! فحرفه عن موضعه، وقال : معناه : أنا وأنت نعلمها .
هذا من أعظم الجهل، وأقبح التحريف، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالله من أن يقول لمن كان يظنه أعرابيًا : أنا وأنت نعلم السَّاعة؛ إلا أن يقول هذا الجاهل : إنه كان يعرف أنه جبريل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق في قوله : " والذي نفسي بيده؛ ما جاءني في صورة إلا عرفته؛ غير هذه الصورة " (مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر، وقال: "إسناده صحيح ولفظ أحمد: ما أتاني في صورة إلا عرفته؛ غير هذه الصورة) وفي اللفظ الآخر : " شبه علي غير هذه المرة " وفي اللفظ الآخر : " ردوا علي الأعرابي، فذهبوا فالتمسوا، فلم يجدوا شيئًا " .
وإنما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبريل بعد مدة؛ كما قال عمر : " فلثبت مليًا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عمر ! أتدري من السائل ؟ " (صحيح مسلم) والمحرف يقول : علم وقت السؤال أنه جبريل، ولم يخبر الصحابة بذلك إلا بعد مدة !
ثم قوله في الحديث : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " يعم كل سائل ومسؤول، فكل سائل ومسؤول عن هذه السَّاعة شأنهما كذلك " (المنار المنيف تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة. وانظر: تعليق الشيخ على كلام ابن القيم. وانظر: مجموع الفتاوى" لابن تيمية) .
وأيضًا؛ لا معنى لذكر أشراطها وإخبار السائل بها ما دام يعلمها، ولا سيما أنه لم يسأل عن أشراطها .
وأعجب من هذا ما جاء في كلام السيوطي في " الحاوي " بعد أن ذكر الجواب عن السؤال عن الحديث المشتهر على ألسنة الناس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكث في قبره ألف سنة ؟ قال : " وأنا أُجيب بأنه باطل، لا أصل له " .
وذكر أنه ألَّف في ذلك مؤلفًا سمَّاه : " الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف" قال فيه :
أولًا : الذي دلَّت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد عن ألف سنة، ولا تبلغ الزيادة عليها خمس مئة سنة؛ لأنه ورد من طرق أن مدة الدُّنيا سبعة آلاف سنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ في أواخر الألف السادسة " (الحاوي للفتاوي للسيوطي) .
ثم ذكر حسابات خلص منها إلى أنه لا يمكن أن تكون المدة ألفًا وخمس مئة أصلًا، ثم ذكر الأحاديث والآثار التي اعتمد عليها في ذلك :
ومنها ما رواه الطبراني في " الكبير " عن الضَّحَّاك بن زمل الجهني قال : رأيتُ رؤيا، فقصصتُها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث، وفيه : إذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة، فقال صلى الله عليه وسلم : " أما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة؛ فالدُّنيا سبعة آلاف سنة، وأنا في آخرها ألفًا " (الحاوي للفتاوي) .
وذكر أنه أخرجه البيهقي في " الدلائل " وأن السُّهيلي ذكر أن الحديث ضعيف(حديث: "الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنا في آخرها ألفًاُ"؛قال الألباني: "موضوع". انظر: ضعيف الجامع الصغير) الإسناد، ولكنه روي موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما من طرق صحاح، وأن الطبري (انظر: "تاريخ الأمم والملوك" لأبي جعفر الطبري) هذا الأصل، وعضده بآثار .
ثم بين السيوطي أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " وأنا في آخرها ألفًا"؛ أي: معظم الملة في الألف السابعة؛ ليطابق ما سيأتي أنه بعث في أواخر الألف السادسة، ولو كان بعث في أول الألف السابعة؛ كانت الأشراط الكبرى كدجال ونزول عيسى u وطلوع الشمس من مغربها؛ وجدت قبل اليوم بأكثر من مئة سنة؛ لتقوم السَّاعة عند تمام الألف، ولم يوجد شيء من ذلك، فدل على أن الباقي من الألف السابعة أكثر من ثلاث مئة سنة (الحاوي) .
هذا هو ملخص كلام السيوطي رحمه الله، وهو مصادمٌ لصريح القرآن، وللأحاديث الصحيحة؛ من أن مدة الدُّنيا لا يعلمها أحد إلا الله تعالى؛ فإننا لو عرفنا مة الدُّنيا؛ لعلمنا متى تقوم السَّاعة، وقد علمت فيما سبق من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن السَّاعة لا يعلم وقت قيامها إلا الله تعالى .
وأيضًا؛ فإن الواقع يرد ذلك؛ فإننا في بداية القرن الخامس عشر الهجري، ولم يخرج الدجال، ولم ينزل عيسى عليه السلام، فيقتله، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة، وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مئة وعشرين سنة، وأن بين النفختين أربعين سنة، فهذه مئتا سنة لا بد منها (الحاوي) فعلى كلامه لو خرج الدجال الآن؛ لا بد من مئتي سنة، فيكون قيام السَّاعة بعد ألف وست مئة سنة .
وبهذا يتبين بطلان كل حديث ورد في تحديد مدَّة الدُّنيا .
وقد ذكر ابن القيم في كتابه " المنار المنيف " أمورًا كلِّيَّة يُعرَف بها كون الحديث موضوعًا، فقال : " منها مخالفة الحديث صريح القرآن؛ كحديث مقدار الدُّنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن في الألف السابعة، وهذا من أبين الكذب؛ لأنه لو كان صحيحًا؛ لكان كل أحد عالمًا أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وأحد وخمسون سنة " (المنار المنيف تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة. وانظر: مجموع الفتاوى،لشيخ الإسلام ابن تيمية) .
فإن ابن القيم عاش في القرن الثامن الهجري، فقال هذا الكلام، وقد مر على كلامه هذا أكثر من ست مئة واثنين وخمسين سنة، ولم تنقض الدُّنيا .
وقال ابن كثير : " والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومئتين من السنين، قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه، وتغليطهم، وهم جديرون بذلك، حقيقون به، وقد ورد في حديث : " الدُّنيا جمعة من جمع الآخرة " ولا يصح إسناده أيضًا، وكذا كل حديث ورد فيه تحديد لوقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده"(النهاية/ الفتن والملاحم تحقيق د. طه زيني) .
وكما أنه لا يَعْلَمُ أحدٌ متى تقوم السَّاعة؛ فكذلك لا يعلم أحد متى تظهر أشراط السَّاعة، وما ورد أنه في سنة كذا يكون كذا، وفي سنة كذا يحصل كذا؛ فهو ليس بصحيح؛ فإن التاريخ لم يوضع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما وضعه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ؛ اجتهادًا منه، وجعل بدايته هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
قال القرطبي : " إن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والكوائن أن ذلك يكون، وتعيين الزمان في ذلك من سنة كذا، يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر، وإنما ذلك كوقت قيام السَّاعة، فلا يعلم أحد أي سنة هي، ولا أي شهر، أما أنها تكونة في يوم الجمعة في آخر ساعة منه، وهي السَّاعة التي خلق الله فيها آدم صلى الله عليه وسلم ، ولكن أي جمعة؛ لا يعلم تعيين ذلك اليوم إلا الله وحده لا شريك له، وكذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يُعلَم، والله أعلم " (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة لشمس الدين أبي عبد الله بن أحمد القرطبي) .
يوسف بن عبد الله بن يوسف الوابل

لـحـن
02-08-2021, 08:34 AM
بارك الله فيك ونفع بِك ..
على طرح موضوعك القيم
وأسلمت الايادي ويعطيك العافيه
تقديري مع احترامي.

ملكة الحنان
02-08-2021, 12:43 PM
بارك الله فيك ونفع بِك ..
اثابك الله الاجروالثواب
وجزاك ربي كل خير
وجعله في ميزان حسناتك

الصقر الحر
03-08-2021, 12:48 AM
جزاك الله خير وبارك الله فيك
موضوع قيم سلمت الايدي
تحياتي وتقديرى

أمير المحبه
03-08-2021, 08:47 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

وليد
04-08-2021, 04:19 PM
جزاك الله خيرا
وبارك بك على طرحك الطيب
ولا حرمك الأجر

غرام الشوق
13-08-2021, 03:50 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك بموازين حسناتك
ويعطيك العافيه ع الموضوع
بنتظارجديدك الراقي بكل شوق
تحياتي وعطر وردي

ندووشاا
17-05-2023, 07:12 PM
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك...
ننتظر جديدك...