انتهي بك
07-10-2020, 09:27 AM
حكم تقبيل قدمي الوالدين ومن في منزلتهم
130154
السؤال
إنني مشوَّش حيال لمس قدم أشخاص آخرين ، أو تقبيلها ، فقد قرأت في مدونة بأن " طاهر القدري " قد أظهر أدلة من الأحاديث بأنه من الجائز لمس قدم الآخرين ، أو تقبيلها ، وأن البخاري كانت له رؤى حيال هذا الأمر ، وقد كتب كتباً في صحة هذا الأمر ، وأن طاهر القدري قد دعم رؤيته بأحاديث موضوعة ، أو ضعيفة ، فماذا يجب أن يكون موقفنا حيال طاهر القدري ؟ .
نص الجواب
الحمد لله.
أولاً :
أشهر ما يُستدل به على تقبيل الرِِّجْلين : حديثان ، وحادثة ،
أما الحديث الأول : ففيه تقبيل يهودييْن لرجلَي النبي
صلى الله عليه وسلم ،
والثاني : فيه تقبيل وفد عبد القيس لرجل النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأما الحادثة : ففيها تقبيل الإمام مسلم لرجليْ الإمام البخاري ،
رحمهما الله ، ونحن نذكر تفصيل ذلك ، وكلام العلماء حولها .
الحديث الأول :
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ :
( قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ ،
فَقَالَ صَاحِبُهُ : لَا تَقُلْ نَبِيٌّ ، إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ ،
فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ
بَيِّنَاتٍ فَقَالَ لَهُمْ : (لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلَا تَسْحَرُوا ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً ، وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ) قَالَ : فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ ، فَقَالَا : نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ ،
قَالَ : فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي ؟
قَالُوا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ ،
وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ ) .
رواه الترمذي (2733) ، والنسائي (4078) ، وابن ماجه (3705) ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" ، وصححه كثيرون ، كالحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (5/240) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (9/48) ، والنووي في "المجموع" (4/640) ، و"رياض الصالحين" (حديث 889) .
قال ابن كثير رحمه الله :
وهو حديث مشكل ، وعبد الله بن سلِمة في حفظه شيء ،
وقد تكلموا فيه ، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات ،
فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون .
"تفسير ابن كثير" (5/125) .
وقال الزيلعي رحمه الله :
والحديث فيه إشكالان :
أحدهما : أنهم سألوا عن تسعة ،
وأجاب في الحديث بعشرة ،
وهذا لا يرِد على رواية أبي نعيم والطبراني ؛
لأنهما لم يذكرا فيه "السحر" ، ولا على رواية أحمد أيضاً ؛
لأنه لم يذكر "القذف" مرة ، وشك في أخرى ،
فيبقى المعنى في رواية غيرهم : أي :
"خذوا ما سألتموني عنه وأزيدكم ما يختص بكم لتعلموا
وقوفي على ما يشتمل عليه كتابكم" .
الإشكال الثاني : أن هذه وصايا في التوراة ،
ليس فيها حجج على فرعون وقومه ، فأي مناسبة بين هذا
وبين إقامة البراهين على فرعون ؟!
وما جاء هذا إلا من عبد الله بن سلمة ؛
فإن في حفظه شيئًا ، وتكلموا فيه ، وأن له مناكير ،
ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات ،
فاشتبه عليه بالتسع الآيات ، فوهِم في ذلك ، والله أعلم .
"تخريج الكشاف" (2/293) .
والحديث : بوَّب عليه الترمذي بقوله : " باب ما جاء في قبلة اليد والرِّجل " .
قال ابن بطَّال رحمه الله :
قال الأبهرى : وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر ،
والتعظيم لمن فُعِلَ ذلك به ، وأما إذا قبَّل إنسانٌ يدَ إنسانٍ ،
أو وجهه ، أو شيئًا من بدنه – ما لم يكن عورة -
على وجه القربة إلى الله ، لدينه ، أو لعلمه ، أو لشرفه :
فإن ذلك جائز .
"شرح صحيح البخارى" (9/46) .
وقال المباركفوري رحمه الله :
والحديث يدل على جواز تقبيل اليد والرِّجْل .
"تحفة الأحوذي" (7/437) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
الحاصل :
أن هذين الرجلين قبَّلا يدَ النبي صلى الله عليه وسلم ، ورِجْله ،
فأقرهما على ذلك ، وفي هذا : جواز تقبيل اليد ، والرِّجْل ،
للإنسان الكبير الشرَف والعلم ، كذلك تقبيل اليد ، والرِّجْل ،
من الأب ، والأم ، وما أشبه ذلك ؛ لأن لهما حقّاً ،
وهذا من التواضع .
"شرح رياض الصالحين" (4/451) .
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
أبي - أحياناً - يأمرني بتقبيل رِجله مازحاً ؟ .
فأجاب :
لا مانع مِن أن تقبلها .
"شرح سنن أبي داود" (29/342) .
الحديث الثاني :
عن أُمّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ
- وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ - قَالَ :
لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ
يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَرِجْلَهُ .
رواه أبو داود (5227) ، وجوَّد الحافظ ابن حجر إسناده في "فتح الباري" (11/57) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود" وقال : "حسنٌ ، دون ذِكر الرِّجْلين" .
والحديث بوَّب عليه أبو داود بقوله : "بَاب فِي قُبْلَةِ الرِّجْلِ" .
أما الحادثة :
فهي حوار حصل بين الإمامين البخاري ومسلم ،
وقد اشتهر أن الإمام مسلماً قبَّل رجليْ البخاري ، وأثنى عليه بعلمه ،
والصحيح : أنه ليس في القصة إلا تقبيل ما بين عيني الإمام البخاري ،
وأن مسلماً طلب من البخاري أن يقبِّل رجليه ،
وليس في القصة أنه فعل ذلك .
ففي "تاريخ بغداد" (13/102) عن أحمد بن حمدون القصار قال :
سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري
فقبَّل بين عينيه ، وقال : دعني حتى أقبِّل رجليك ،
يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله .
وفي "تاريخ دمشق" (52/68) :
فقبَّل بين عينيه ، فقال : دعني حتى أقبِّل رجليك ،
يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث .
انتهى .
وللفائدة : فقد ضعَّف الحافظ العراقي رحمه الله هذه القصَّة ،
وردَّ عليه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنها ثابتة وصحيحة .
قال الحافظ العراقي رحمه الله :
والغالب على الظن : عدم صحتها ، وأنا أتهم بها
" أحمد بن حمدون القصار " راويها عن مسلم ؛
فقد تُكلم فيه .
"التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح" (ص 118) .
ورد الحافظ ابن حجر على العراقي فقال :
الحكاية صحيحة ، قد رواها غير الحاكم على الصحة ، من غير نكارة ،
وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب ، كما سنوضحه ؛
لأن المنكَر منها إنما هو قوله : "إن البخاري قال : لا أعلم
في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول" ،
والواقع : أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري " .
والحق أن البخاري لم يعبِّر بهذه العبارة ، وقد رأيت أن أسوق
لفظ الحكاية من الطريق التي ذكرها الحاكم وضعفها الشيخ ،
ثم أسوقها من الطريق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها ،
ولا نكارة ، ثم أبيِّن حال الحديث ، ومن أعلَّه ،
أو صححه لتتم الفائدة ... .
"النكت على كتاب ابن الصلاح" (2/715 ، 716) .
ثانياً :
حيث نقول بجواز تقبيل الرجلين :
فإنه لا بدَّ من ضوابط لهذا الجواز ، ومنها :
1. أن يكون هذا التقبيل للوالدين ، وأهل العلم .
وقد سبق النقل على الشيخين العثيمين والعبَّاد ما يؤيد ذلك .
2. أن يكون التقبيل قربة إلى الله ، لا لدنيا يصيبها ،
ولا مع ذل يلحقه .
قال النووي رحمه الله :
وأما تقبيل يده لِغِناه ، ودنياه ، وشوكته ، ووجاهته
عند أهل الدنيا بالدنيا ونحو ذلك : فمكروه شديد الكراهة ،
وقال المتولي : لا يجوز ، فأشار إلى تحريمه .
"المجموع شرح المهذب" (4/636) .
وقال :
وتقبيل رأسه ورِجله : كيَده .
"المجموع شرح المهذب" (4/636 ، 637) .
3. أن لا يُفعل هذا التقبيل مع من يحرص عليه ،
ومن حرص على أن يقبِّل الناس يده : لم يستحق تقبيلها ،
فكيف بتقبيل رجليه ؟! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما ابتداء مدِّ اليدِ للناس ليقبِّلوها ، وقصده لذلك :
فيُنهى عن ذلك ، بلا نزاع ، كائناً من كان ،
بخلاف ما إذا كان المقبِّل المبتدئ بذلك .
"المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/29) .
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
الذي يُنتقد من بعض الناس : أنه إذا سلَّم عليه أحد :
مَدّ يده إليه ، وكأنه يقول : قَبِّل يدي !
فهذا هو الذي يُستنكر ، ويقال للإنسان عندئذ : لا تفعل .
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
4. أن لا يكون هذا التقبيل إلا نادراً ، وحيث يقتضيه الفعل ،
لا في كل مرة يلقاه فيها .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
أما مَن يقبِّل يدك تكريماً ، وتعظيماً ، أو رأسك ، أو جبهتك :
فهذا لا بأس به ، إلا أن هذا لا يكون في كل مرة يلقاك ؛
لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك
إذا لاقى الرجل أخاه أينحني له ؟ قال : (لا)
قال : أيقبله ويعانقه ؟ قال : (لا) ،
قال : أيصافحه ؟ قال : (نعم) .
لكن إذا كان لسبب : فلا بأس للغائب ... .
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
وانظر جواب السؤال رقم : (20243) .
ثالثاً :
أما بخصوص " طاهر القدري " : فليس عندنا معلومات وافية عنه ،
وبكل حال : فمن استدل بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة
فإنها لا تقبل منه ، وقد أغنانا الله تعالى بما ثبت في صحيح السنَّة .
والله أعلم
المصدر: الإسلام سؤال وجواب
130154
السؤال
إنني مشوَّش حيال لمس قدم أشخاص آخرين ، أو تقبيلها ، فقد قرأت في مدونة بأن " طاهر القدري " قد أظهر أدلة من الأحاديث بأنه من الجائز لمس قدم الآخرين ، أو تقبيلها ، وأن البخاري كانت له رؤى حيال هذا الأمر ، وقد كتب كتباً في صحة هذا الأمر ، وأن طاهر القدري قد دعم رؤيته بأحاديث موضوعة ، أو ضعيفة ، فماذا يجب أن يكون موقفنا حيال طاهر القدري ؟ .
نص الجواب
الحمد لله.
أولاً :
أشهر ما يُستدل به على تقبيل الرِِّجْلين : حديثان ، وحادثة ،
أما الحديث الأول : ففيه تقبيل يهودييْن لرجلَي النبي
صلى الله عليه وسلم ،
والثاني : فيه تقبيل وفد عبد القيس لرجل النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأما الحادثة : ففيها تقبيل الإمام مسلم لرجليْ الإمام البخاري ،
رحمهما الله ، ونحن نذكر تفصيل ذلك ، وكلام العلماء حولها .
الحديث الأول :
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ :
( قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ ،
فَقَالَ صَاحِبُهُ : لَا تَقُلْ نَبِيٌّ ، إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ ،
فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ
بَيِّنَاتٍ فَقَالَ لَهُمْ : (لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلَا تَسْحَرُوا ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً ، وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ) قَالَ : فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ ، فَقَالَا : نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ ،
قَالَ : فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي ؟
قَالُوا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ ،
وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ ) .
رواه الترمذي (2733) ، والنسائي (4078) ، وابن ماجه (3705) ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" ، وصححه كثيرون ، كالحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (5/240) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (9/48) ، والنووي في "المجموع" (4/640) ، و"رياض الصالحين" (حديث 889) .
قال ابن كثير رحمه الله :
وهو حديث مشكل ، وعبد الله بن سلِمة في حفظه شيء ،
وقد تكلموا فيه ، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات ،
فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون .
"تفسير ابن كثير" (5/125) .
وقال الزيلعي رحمه الله :
والحديث فيه إشكالان :
أحدهما : أنهم سألوا عن تسعة ،
وأجاب في الحديث بعشرة ،
وهذا لا يرِد على رواية أبي نعيم والطبراني ؛
لأنهما لم يذكرا فيه "السحر" ، ولا على رواية أحمد أيضاً ؛
لأنه لم يذكر "القذف" مرة ، وشك في أخرى ،
فيبقى المعنى في رواية غيرهم : أي :
"خذوا ما سألتموني عنه وأزيدكم ما يختص بكم لتعلموا
وقوفي على ما يشتمل عليه كتابكم" .
الإشكال الثاني : أن هذه وصايا في التوراة ،
ليس فيها حجج على فرعون وقومه ، فأي مناسبة بين هذا
وبين إقامة البراهين على فرعون ؟!
وما جاء هذا إلا من عبد الله بن سلمة ؛
فإن في حفظه شيئًا ، وتكلموا فيه ، وأن له مناكير ،
ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات ،
فاشتبه عليه بالتسع الآيات ، فوهِم في ذلك ، والله أعلم .
"تخريج الكشاف" (2/293) .
والحديث : بوَّب عليه الترمذي بقوله : " باب ما جاء في قبلة اليد والرِّجل " .
قال ابن بطَّال رحمه الله :
قال الأبهرى : وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر ،
والتعظيم لمن فُعِلَ ذلك به ، وأما إذا قبَّل إنسانٌ يدَ إنسانٍ ،
أو وجهه ، أو شيئًا من بدنه – ما لم يكن عورة -
على وجه القربة إلى الله ، لدينه ، أو لعلمه ، أو لشرفه :
فإن ذلك جائز .
"شرح صحيح البخارى" (9/46) .
وقال المباركفوري رحمه الله :
والحديث يدل على جواز تقبيل اليد والرِّجْل .
"تحفة الأحوذي" (7/437) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
الحاصل :
أن هذين الرجلين قبَّلا يدَ النبي صلى الله عليه وسلم ، ورِجْله ،
فأقرهما على ذلك ، وفي هذا : جواز تقبيل اليد ، والرِّجْل ،
للإنسان الكبير الشرَف والعلم ، كذلك تقبيل اليد ، والرِّجْل ،
من الأب ، والأم ، وما أشبه ذلك ؛ لأن لهما حقّاً ،
وهذا من التواضع .
"شرح رياض الصالحين" (4/451) .
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
أبي - أحياناً - يأمرني بتقبيل رِجله مازحاً ؟ .
فأجاب :
لا مانع مِن أن تقبلها .
"شرح سنن أبي داود" (29/342) .
الحديث الثاني :
عن أُمّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ
- وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ - قَالَ :
لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ
يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَرِجْلَهُ .
رواه أبو داود (5227) ، وجوَّد الحافظ ابن حجر إسناده في "فتح الباري" (11/57) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح أبي داود" وقال : "حسنٌ ، دون ذِكر الرِّجْلين" .
والحديث بوَّب عليه أبو داود بقوله : "بَاب فِي قُبْلَةِ الرِّجْلِ" .
أما الحادثة :
فهي حوار حصل بين الإمامين البخاري ومسلم ،
وقد اشتهر أن الإمام مسلماً قبَّل رجليْ البخاري ، وأثنى عليه بعلمه ،
والصحيح : أنه ليس في القصة إلا تقبيل ما بين عيني الإمام البخاري ،
وأن مسلماً طلب من البخاري أن يقبِّل رجليه ،
وليس في القصة أنه فعل ذلك .
ففي "تاريخ بغداد" (13/102) عن أحمد بن حمدون القصار قال :
سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري
فقبَّل بين عينيه ، وقال : دعني حتى أقبِّل رجليك ،
يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله .
وفي "تاريخ دمشق" (52/68) :
فقبَّل بين عينيه ، فقال : دعني حتى أقبِّل رجليك ،
يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث .
انتهى .
وللفائدة : فقد ضعَّف الحافظ العراقي رحمه الله هذه القصَّة ،
وردَّ عليه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنها ثابتة وصحيحة .
قال الحافظ العراقي رحمه الله :
والغالب على الظن : عدم صحتها ، وأنا أتهم بها
" أحمد بن حمدون القصار " راويها عن مسلم ؛
فقد تُكلم فيه .
"التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح" (ص 118) .
ورد الحافظ ابن حجر على العراقي فقال :
الحكاية صحيحة ، قد رواها غير الحاكم على الصحة ، من غير نكارة ،
وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب ، كما سنوضحه ؛
لأن المنكَر منها إنما هو قوله : "إن البخاري قال : لا أعلم
في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول" ،
والواقع : أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري " .
والحق أن البخاري لم يعبِّر بهذه العبارة ، وقد رأيت أن أسوق
لفظ الحكاية من الطريق التي ذكرها الحاكم وضعفها الشيخ ،
ثم أسوقها من الطريق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها ،
ولا نكارة ، ثم أبيِّن حال الحديث ، ومن أعلَّه ،
أو صححه لتتم الفائدة ... .
"النكت على كتاب ابن الصلاح" (2/715 ، 716) .
ثانياً :
حيث نقول بجواز تقبيل الرجلين :
فإنه لا بدَّ من ضوابط لهذا الجواز ، ومنها :
1. أن يكون هذا التقبيل للوالدين ، وأهل العلم .
وقد سبق النقل على الشيخين العثيمين والعبَّاد ما يؤيد ذلك .
2. أن يكون التقبيل قربة إلى الله ، لا لدنيا يصيبها ،
ولا مع ذل يلحقه .
قال النووي رحمه الله :
وأما تقبيل يده لِغِناه ، ودنياه ، وشوكته ، ووجاهته
عند أهل الدنيا بالدنيا ونحو ذلك : فمكروه شديد الكراهة ،
وقال المتولي : لا يجوز ، فأشار إلى تحريمه .
"المجموع شرح المهذب" (4/636) .
وقال :
وتقبيل رأسه ورِجله : كيَده .
"المجموع شرح المهذب" (4/636 ، 637) .
3. أن لا يُفعل هذا التقبيل مع من يحرص عليه ،
ومن حرص على أن يقبِّل الناس يده : لم يستحق تقبيلها ،
فكيف بتقبيل رجليه ؟! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما ابتداء مدِّ اليدِ للناس ليقبِّلوها ، وقصده لذلك :
فيُنهى عن ذلك ، بلا نزاع ، كائناً من كان ،
بخلاف ما إذا كان المقبِّل المبتدئ بذلك .
"المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/29) .
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
الذي يُنتقد من بعض الناس : أنه إذا سلَّم عليه أحد :
مَدّ يده إليه ، وكأنه يقول : قَبِّل يدي !
فهذا هو الذي يُستنكر ، ويقال للإنسان عندئذ : لا تفعل .
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
4. أن لا يكون هذا التقبيل إلا نادراً ، وحيث يقتضيه الفعل ،
لا في كل مرة يلقاه فيها .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
أما مَن يقبِّل يدك تكريماً ، وتعظيماً ، أو رأسك ، أو جبهتك :
فهذا لا بأس به ، إلا أن هذا لا يكون في كل مرة يلقاك ؛
لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك
إذا لاقى الرجل أخاه أينحني له ؟ قال : (لا)
قال : أيقبله ويعانقه ؟ قال : (لا) ،
قال : أيصافحه ؟ قال : (نعم) .
لكن إذا كان لسبب : فلا بأس للغائب ... .
"شرح رياض الصالحين" (4/452) .
وانظر جواب السؤال رقم : (20243) .
ثالثاً :
أما بخصوص " طاهر القدري " : فليس عندنا معلومات وافية عنه ،
وبكل حال : فمن استدل بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة
فإنها لا تقبل منه ، وقد أغنانا الله تعالى بما ثبت في صحيح السنَّة .
والله أعلم
المصدر: الإسلام سؤال وجواب