المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : « لا تقولوا: يا خَيْبةَ الدَّهرِ»


وليد
08-10-2020, 03:15 AM
« لا تقولوا: يا خَيْبةَ الدَّهرِ»


كانتِ العربُ في الجاهليَّةِ يذمّون الدَّهرَ كلَّما أصابَهم إخفاقٌ في الحياةِ، وأكثروا من قولِهم: «أبادَهم الدَّهرُ»، و«أصابتْهم قوارعُ الدَّهرِ وحوادثُه»، أو يقولون: «بؤسًا للدَّهرِ»، أو «تبًّا له»، وأكثروا من شكوَى الزَّمانِ في أشعارِهم، ونسبوا إليه ما يُصيبُهم من المَكارِه، وذَمُّوه عند نزولِها بهم، وكان أكثر ما يقولون في ذلك: «يا خَيْبةَ الدَّهرِ»، وهذا سبٌّ للزَّمانِ ودعاءٌ عليه بالخَسارَةِ، و«الدَّهرُ»، و«الزَّمان»، و«المَنُون»، و«الحَدَثان» عندهم شيءٌ واحدٌ. المقصود في ذلك كلِّه: تعاقب الليل والنهار، وما يحمله من خيرٍ أو شرٍّ.

والنّاس في موقفهم من الدهر وتعاقب الليل والنهار فرقتان، قال الخطابي: «فرقة لا تؤمنُ بالله ولا تعرف إلّا الدَّهر: الليل والنهار، اللذين هما محل للحوادث وطرق لمساقط الأقدار، تنسب المكاره إليه على أنَّها من فعله، ولا ترى أن لها مدبرًا غيره، وهذِه الفرقة هم الدّهرية الذين حكى الله عنهم في قوله: ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24]. وفرقةٌ ثانية تعرف الخالق وتنزِّهه أن تُنسب إليه المكاره فتُضيفُها إلى الدَّهر والزَّمان».

قال ابنُ عبدِ البرِّ (ت463هـ): «وجرَى ذلك على الألسِنةِ في الإسلامِ، وهم لا يريدون ذلك - [يعني: لا يريدون أن يشركوا الزَّمانَ مع اللهِ في الفعلِ] - ألا ترَى أنَّ المسلمين الخيار الفضلاء قد استعملوا ذلك في أشعارِهم على دينِهم وإيمانِهم جريًا في ذلك على عادتِهم، وعلمًا بالمرادِ وأنَّ ذلك مفهومٌ معلومٌ، لا يُشْكِلُ على ذي لُبٍّ»[1].

وفي هذا الزَّمان تجدُ النَّاس يَسِبُّون الزَّمانَ، فيقولون: «سَنةٌ سَوداء»، أو «زمانٌ أسود»، أو «زمانٌ غدّار»، أو «زمانٌ لا يرحمُ»، أو «جَارَ عليَّ الزَّمان»،.. وغير ذلك من ألفاظِ السَّبِّ والشكوى، وهذا كلُّه لا يجوزُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى هو خالقُ الخيرِ والشَّرِ، والذي يَسُبُّ الدَّهرَ ظنًّا منه أنَّه المتصرِّفُ الفعّالُ للحوادث، فإنَّما يقعُ سَبُّه على الله تعالى؛ لأنّ الله تعالى هو الفعَّالُ لما يريدُ لا الدَّهرَ.

قال الشيخ عبد الله الغنيمان: «أكثرُ هؤلاءِ الشعراء والأدباء لا يقصدون نسبةَ القبائح إلى اللهِ تعالى من الجوْرِ والظلم، وإنَّما ساروا في ذلك على سبيلِ المتابعة لأهلِ الجاهليّة والتقليد، بدون تبَصُّرٍ لذلك، والله أعلم»[2].

وقد نقل الصحابي الجليل راويةُ الصَّحابةِ وحافظُهم أبو هريرةَ عبدُ الرحمن بنُ صخرٍ الدَّوسي، المتوفى سنة 57هـ رضي الله عنه وأرضاه، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: قال اللهُ - عزَّ وجلَّ -: يُؤْذِينِي ابنُ آدمَ يقول: يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فلا يقولنَّ أحدُكم: يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ؛ فإنِّي أنا الدَّهْرُ؛ أُقَلِّبُ ليلَه ونهارَه، فإذا شِئْتُ قبضتُهما».

وهذا الحديث الجليل رواه جماعةٌ كبيرةٌ من أئمة المسلمين، منهم: إمام دار الهجرة مالك بن أنس في «الموطأ»، والإمام المبجل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في «المسند»، والإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري والإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في «صحيحيهما» اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن، وغيرهم من أئمة الحديث والسنة.

وقوله: «يؤذيني ابن آدم»؛ أي: يفعل ما لا أرضى، فيغضبني ذلك، واللهُ - سبحانه وتعالى - يغضب ويغار، وغضبه وغيرته أن تؤتى محارمه وأن يُخالف عن أمره.

أمَّا الأذى بمعنى إلحاق الضرر، فحاشاه - سبحانه - أن يلحقه الضرر، لكنَّه يغضبُ من بني آدم بسبب ارتكاب المحرمات وفعل المنكرات وظلمهم لأنفسهم، ولا أحد أصبرُ على هذا الأذى من اللهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [الأحزاب: 57]، ونفَى عن نفسِه أن يَضُرَّه شيءٌ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 176]، وقال: «يا عبادي، إنَّكم لن تبلغوا ضري فتضروني.. »، رواه مسلم.

وقولُه: «يا خيبةَ الدَّهرِ»: سبٌّ وتحقيرٌ، وقد جاء ذلك مُصرّحًا به في رواياتٍ أخرَى، بلفظ: «لا تَسبُّوا الدَّهرَ»، وفي لفظٍ: «يَسُبُّ ابنُ آدم الدَّهرَ»، وفي آخر: «يؤذيني ابنُ آدمَ؛ يَسُبُّ الدَّهرَ»، والدَّهرُ: يُطلقُ علَى الزَّمانِ الطَّويلِ، وعلى مُدَّةِ الحياةِ.

وقولُه: «أقلِّبُّ ليلَه ونهارَه»: يعني آتي بكلِّ واحدٍ منهما بعدَ الآخرِ.

«فإذا شِئتُ قبضتُهما»: أي أفنيتُهما وذلك بفناءِ الدُّنيا، فإذا فَنيتِ الدُّنيا فَنيتِ الشَّمسُ والأرضُ، وفَنِي الليلُ والنَّهارُ.

وقد اختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث؛ لأنَّ الله تعالى قال فيه: «أنا الدهر»، وفي لفظ: «فإنِّي أنا الدَّهرُ»، وقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدَى روايات الحديث: «فإنَّ الله هو الدَّهرُ».

ومعلومٌ بالضَّرورةِ أنَّ اللهَ ليس هو الدَّهر بمعنَى الزمان، فإنَّ الزمان خلقٌ من خلقِ الله، قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية – رحمه الله – (ت728هـ): «أجمع المسلمون – وهو مما عُلم بالعقلِ الصَّريحِ – أنَّ الله سبحانه وتعالى ليس هو الدَّهر الذي هو الزمان، أو ما يجري مَجرَى الزمان»[3].

لكن ذهب جماعةٌ من أهلِ العلم إلى أنَّ لفظ «الدَّهرَ» من أسماءِ اللهِ تعالى، ومعناه عندهم: القديم الأزلي، وإلى هذا القول ذهب نعيمُ بنُ حمّادٍ وطائفةٌ من أهلِ الحديثِ والصوفيَّةِ، وهو قولُ أبي محمَّد ابن حزم - رحمه الله تعالى - (ت456هـ)، حيث عدَّ «الدهر» في أسماء الله الحسنى[4].

وقد ذهب جمهور أهل العلم من المسلمين: الشافعي، وأبو عبيد، والطبري، وابن قتيبة، والحربي، والخطابي، وأبو يعلى الفراء، وابن عبد البر، وقِوام السنة الأصبهاني، والقرطبي، والنووي، وابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر، وابن عثيمين، وغيرهم؛ ذهبوا جميعًا إلى أنَّ «الدهر» ليس اسمًا من أسماء الله الحسنى، وأنَّ المعنى المراد في الحديث بقوله: «أنا الدهر»، أي: مُدبِّر الدّهر ومُصرِّفه، ودليلُ ذلك أنَّه فسَّره في نفسِ الحديث فقال: «بيدي الأمرُ أقلِّبُ الليلَ والنهارَ».

قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -:
«قال الشَّافعي وأبو عبيدةَ وغيرهما من الأئمَّةِ - في تفسير قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَسُبُّوا الدَّهر فإنَّ اللهَ هو الدَّهر» -: كانت العرب في جاهليَّتِها إذا أصابهم شدَّة أو بلاء أو نكبة قالوا يا خيبة الدَّهر فيُسْنِدون تلك الأفعال إلى الدَّهر ويَسُبُّونَه وإنَّما فاعلها هو اللهُ تعالى فكأنَّهم إنَّما سَبُّوا اللهَ عزَّ وجلَّ لأنَّه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سَبّ الدَّهر بهذا الاعتبار لأنَّ اللهَ تعالى هو الدَّهر الذي يَعْنُونَهُ ويُسْنِدُونَ إليه تلك الأفعال وقد غلِط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظَّاهريَّة في عدّهمْ الدَّهر من الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث»[5].

وقال ابن عثيمين في «القواعد المثلى» (ص10 - 11):
«وبهذا أيضا عُلم أنَّ «الدَّهر» ليس من أسماء الله تعالى، لأنَّه اسمٌ جامدٌ لا يتضمَّنُ معنى يُلْحقه بالأسماء الحسنى، ولأنَّه اسمٌ للوقتِ والزَّمَن، قال الله تعالى - عن مُنْكري البعث -: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24] يريدون: مرور الليالي والأيام.

فأما قوله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسُبُّ الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ بيدي الأمرُ أُقلِّبُ الليل والنَّهارَ»، فلا يدلُّ على أنَّ الدَّهر من أسماءِ الله تعالى، وذلك أنَّ الذين يسبُّون الدَّهر إمَّا يريدون الزَّمان الذي هو محِلُّ الحوادثِ، لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: «وأنا الدَّهرُ» ما فسرَّه بقوله: «بيدي الأمرُ أقلِّبُ الليل والنَّهار»، فهو سبحانه خالقُ الدَّهر وما فيه، وقد بيَّن أنَّه يقلب الليل والنهار وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المقلِّب (بكسر اللام) هو المقلَّب (بفتحها)، وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مرادًا به الله تعالى».



[1] «التمهيد» (18/ 157 - 158)، وانظر: «طرح التثريب» (8 /156).

[2] «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري» (1 /98).

[3] انظر: «مجموع الفتاوى» (2 /494).

[4] «المحلى»، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، (8 /31).

[5] «تفسير القرآن العظيم»، مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى (12 /364).

لـحـن
08-10-2020, 03:16 AM
بارك الله فيك ونفع بِك ..
على طرح موضوعك القيم
وأسلمت الايادي ويعطيك العافيه
تقديري مع احترامي.

أمير المحبه
08-10-2020, 03:18 AM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

وليد
08-10-2020, 05:37 AM
حضوركم. دايم يسعدني
ويشرفني
نور متصفحي بأطلالتكم
الرائعه
يعطيكم العافيه..

الاسير
09-10-2020, 02:21 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب

الاسير
09-10-2020, 02:23 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب

غرام الشوق
09-10-2020, 02:50 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك بموازين حسناتك
ويعطيك العافيه ع الموضوع
بنتظارجديدك الراقي بكل شوق
تحياتي وعطر وردي

نزف القلم
10-10-2020, 02:35 AM
جَزآك اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ
جَعَلَ يومَك نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُ الله في مُوآزيَنَ آعمآلَك
دَآمَ لَنآ عَطآئُك ..

روآية هآدئة
10-10-2020, 04:23 AM
؛
جزاك الله خيرا
بورك العطاء؛

ڇۚــﯜڔۑْۧ
10-10-2020, 04:36 AM
طرح قيم بارك الله فيك:icon26:

وليد
10-10-2020, 07:26 AM
حضوركم. دايم يسعدني
ويشرفني
نور متصفحي بأطلالتكم
الرائعه
يعطيكم العافيه..

̨؏ ـطر
10-10-2020, 02:30 PM
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

وليد
10-10-2020, 04:56 PM
حضوركم. دايم يسعدني
ويشرفني
نور متصفحي بأطلالتكم
الرائعه
يعطيكم العافيه..

لَذة عِشّق♪♥
11-10-2020, 08:04 PM
جزَآك آللَه خَيِرآ علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعلهآ فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ الفًردوسَ الأعلى ًمِن الجنـَه
حَمآك آلرحمَن ,,~

اصايل
12-10-2020, 11:48 AM
https://m.3bir.net/files/21314.gif

صمت
14-10-2020, 08:11 PM
جزاك الله الف خير
الله يعطيك العافيه

ملكة الحنان
16-10-2020, 09:57 AM
جزاك الله كل خير

وبارك لك بعمرك

وكتب لك بكل حرف حسنه

وليد
18-10-2020, 12:13 PM
حضوركم. دايم يسعدني
ويشرفني
نور متصفحي بأطلالتكم
الرائعه
يعطيكم العافيه..

يحيى الشاعر
21-10-2020, 12:04 AM
..




جزَآك آللَه خَيِرآ


علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم


وًجعله فيِ ميِزآن حسًنآتكْ


وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ


الفًردوسَ الأعلى


دمت بحفظ الله



http://www.nalwrd.com/vb/upload/4121nalwrd.gif

وليد
15-11-2020, 09:55 AM
حضوركم. دايم يسعدني
ويشرفني
نور متصفحي بأطلالتكم
الرائعه
يعطيكم العافيه..

نقطه
25-12-2020, 02:33 PM
https://www.up4.cc/2020-12/160889088182481.gif

وليد
05-01-2021, 11:30 PM
كل الشكر لكم
على الحضور اللي أعتز به
ربي يسعدكم دووم
لكم مني كل التقـدير والاحترام
يعطيكم العافيه ..

عاشق الغاليه
20-02-2023, 02:32 AM
موضوع جميل جداً
أبدعتم بأنتقآئكم لهُ يالغالين
شكرآ جزيلآ لكم يآ ورود ع حسن الانتقآء
ربي يعطيكم كُل العافيهَ
ومآ يحرمنـآ منـكم
متميزون
ومتألقون
ومُبدعون
دوماً وبكُل مآ تنتقون
سلمت يدآكم وبوركت
في انتظار القـآدم بـ شوق لآ ينتهـي
دمتم بألف خير
~..ـجورياتي

عاشق الغاليه

ندووشاا
23-04-2023, 10:21 PM
جزاك الله الف خير ...
ننتظر المزيد منك ..
تقبلي تحياتي و مروري المتواضع