المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه (1)


لَذة عِشّق♪♥
23-09-2020, 07:40 PM
دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه (1)


الخطبة الأولى

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، نحمده حمداً لا يحدّ، ونشكره شكراً لا يعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله هدى ورحمة للعالمين، فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن جد في متابعته واجتهد.

وأنت تقرأ القرآن الكريم يستوقفك حديث أو قصة في مواضع متعددة عن شخصية فريدة متميزة وعظيمة اصطفاها الله سبحانه وتعالى ليكون لها دور محوري في تاريخ البشرية كلها، وفي تاريخ المسيرة الإيمانية على وجه الخصوص، إنها شخصية نبي الله ورسوله إبراهيم الخليل عليه السلام.

إبراهيم الخليل عليه السلام، وصفه ربنا عز وجل بأحسن المحامد وأعظم الصفات وأكرم الأخلاق، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120، 121]، وقال عنه: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾، وقال:﴿ سلام على إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات: 79 - 81]، وقال: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ﴾ وقال عز وجل: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ بل جعله الله خليله فقال: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾.

قصَّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من أروع القصص القرآني التي تحتوي على دروس خالدة وحكم كثيرة وعبر عظيمة ومنافع جمّة كما يقول الإله العلي الكبير: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].

فلذا أدعوكم معاشر الصالحين، لنعيش جميعا في رحاب قصة هذا النبي العظيم، ومع الدرس الأول، منهج إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله.

ومع المشهد الأول: دعوته لأبيه.
لقد كان إبراهيم عليه السلام حريصًا كل الحرص على هداية قومه، وكان أحرصَ ما يكون على هداية والده الذي كان يعبد الأصنام من دون الله عز وجل، بل كان أبوه ممن ينحَتُها ويبيعها، وقد عزَّ على إبراهيم فعل والده الذي هو يومئذ أقرب الناس إليه، فرأى من واجبه أن يخصه بالنصيحة، وأن يحذره من عاقبة فعله، فخاطبه بأسلوب كله أدب ورقة، كما جاء في سورة مريم: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 45].

﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ ﴾
هذا الأسلوب من إبراهيم في محاورته لأبيه يفيض بالرحمة والحكمة، وهما أصلا الدعوة إلى الله، لا كمن يريد أن يدعو الناس فينفرهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن منكم لمنفرين)، فإبراهيم عليه السلام يخاطب أباه بأسلوب مهذب مفعم بالرحمة والشفقة والحكمة، وبدأ أول ما بدأ دعوته بأهله ببيته بأبيه، بدأها بالأسرة ثم المجتمع ممثلا في قومه ثم القادة والساسة كما في قصة إبراهيم مع النمرود، وهكذا يتدرج الداعي في دعوته كما قال ربنا سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾. لا يُطلب من الداعي أن يخاطب الأبعدين، وأهل بيته من حوله هلكى؟ فالأقربون أولى بالمعروف، وحري بالداعي إلى الله أن يبدأ بما بدأ به إبراهيم ومحمد عليهما السلام، وأن يسلُكَ هذا المسلك، في مخالطتِه لأفراد أهل بيتِه، مِن التحبُّب والتلطُّف، فهم الذين يَقضي معهم حياته، ويُشاركهم في جميعِ شؤون حياتِهم وأثناء اللَّيْل والنَّهار، فمخالطتهم ودعوتهم والإحسان إليهم آكَد وواجب، عن كليب بنُ مَنْفَعَةَ عن جَدِّهِ أنَّهُ أتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، مَنْ أَبَرُّ؟ قالَ: (أُمَّكَ وَأَباكَ، وأُخْتَكَ وَأَخاكَ، ومَوْلاكَ الَّذي يَلِي ذاكَ حَقٌّ واجِبٌ ورَحِمٌ مَوْصولَةٌ).

فالأُسرة ميدانٌ خصْب من ميادين الدعوة لهذا الدِّين، وأوَّل المخالطة والجهْد الدعوي ينبغي أن يُوجَّه إلى البيت، وما نرَى اليوم مِن مظاهر انحراف بعضِ الشباب وضياعهم، إلا بسببِ إهمال جانب الدعوة في البيوت، والتقصير في أداء مهمة التربية والإصلاح.

﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ ﴾.. فخطاب الوالدين يجب أن يكون بأسلوب رقيق، ولا يخفى علينا أن الله تعالى أوصى بهما في غير ما آية، وفرض برهما وطاعتهما في غير معصية: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾، فالوالدانِ أقربُ الناس، وألصقُهم بالنفس وأحبُّهم للقلب، وأولى بالبِرِّ والنصح، فالدعوة والتحبُّب إليهم لها طابعٌ خاص لا بدَّ أن يغلف بالرِّفق واللِّين.

وهذا ما سعَى إليه إبراهيم عليه السلام في دعوتِه لأبيه، فابتدأ خطابَه بذِكْر أُبوته الدالَّة على توقيره، (يَا أَبَتِ)، كلمة تفيض حناناً وتتدفق عطفاً ورقة، يخاطب أباه بأسلوب لين كله شفقة ورحمة.

وفي هذا درس مهم بليغ، فالشخص المراد مخاطبته ودعوته إلى الإيمان، يجب أن يعامل بكل لين ولطف، وإتباعُ أسلوب سهل وواضح معه، ثم الصبرُ على ردود أفعاله مهما كان ذلك الإنسان يتمتع بالقوة أو السلطة أو الغرور، وإننا نلاحظ التشابه الكبير بين أسلوب دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وما قام به موسى وهارون عليهما السلام، من دعوة فرعون إلى الإيمان وقد أمرهما الله فقال: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾.

لقد توجه إبراهيم إلى أبيه بكل احترام وحسن نية وخاطبه بأسلوب لين كله شفقة ورحمة داعيا إياه إلى الإيمان وتوحيد الله تعالى، الذي اليه المرجع والمآب: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ﴾ [مريم: 42]؟

﴿ يَا أَبَتِ ﴾ لم تعبد أصناماً ناقصة في ذاتها، وفي أفعالها، فلا تسمع ولا تبصر ولا تملك لعابدها نفعاً ولا ضراً، بل لا تملك لأنفسها شيئاً من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، يا أبتِ هذا الحجر الذي اتخذته إلها تعبده لا يسمعك إذا دعوته، ولا يراك حين تركع له أو تسجد أو تضع عنده القرابين، هذا الحجر الأصم الأعمى إذا مسك ضر لا يستطيع كشفه عنك، ولا يقدر على دفعه عنك، وإذا سألته نفعا وجدته عاجزا لا يقوى على جلبه لك، فلمَ تعبده؟ إن الذي يجب أن تعبده هو الله السميع البصير القدير النافع الضار سبحانه.

العبودية يجب أن تكون لله وحده وليس للأوثان الصماء التي عملتها أيدي الناس.
••••


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

معاشر المسلمين:
إن عبادة الأصنام التي تجسدت اليوم في آلات من المادة، بل في البشر، وأخذت مسميات جديدة وطابعا عصريا، تدل على انحطاط العقل البشري. فكيف يرضى الإنسان الذي ميّزه الله بالعقل والتفكير والسمع والبصر، كيف يرضى بأن يَعبدَ ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يَضر ولا يُغني من الله شيئًا؟! إنه تلاعب الشيطان بعقول البشر المعرضين عن الصراط المستقيم، فهذه الأصنام العصرية اليوم التي اتخذت أشكالا جديدة، لا تستطيع أن تجلب لنفسها الخير فضلا على أن تجلبه للآخرين.....

فإن قلنا: آزر أبو إبراهيم كان يعبد صنما من حجر، فكم من آزر على ظهر الأرض اليوم؟

ومن المفارقات المؤلمة، أن بعض من ينتسب لهذا الدين، يترك عبادة الله، ويلتجئ إلى عبادة القبور أو بعض أهل القبور، البعض يعتقد أن الأموات ينفعون أو يضرون أو يَرزُقون أو يُشفون من الأسقام، وهذا والعياذ بالله هو الشرك بالله الذي قال عنه ربنا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾، فتراهم يحجون إلى الأضرحة ويجعلون للمقبورين تحتها مواسم وأعيادا ويتمسحون بها هاتفين بأسمائها، طائفين حولها، يتضرعون ويستغيثون ويدعون ويتقربون ويسألون، ويذبحون لها، وينفقون الكثير لإرضاء سدنتها المرتزقة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل..

ماذا نقول اليوم للذين يتوسلون ويتمسحون بالقبور، ويتضرعون ويسألون ميتا لا ينفع ولا يضر...إن ذاك الميت، أو ذلك القبر الذي تتوسل وتتمسح به وتقدم له القرابين يامن تدعي أنك من أتباع هذا الدين الحنيف، ما هو إلا في عداد المعدومين، ولو كان نافعا أحدا لنفع نفسه ولما مات، فهو لا يسمع ولا يُبصر ولا يقدر على دفع الضُّر أو كشف السوء ولا جلب الخير، إنه مات وانقطع عمله من الدنيا إلا من الثلاث المعلومات التي أخبر عنهن النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له "، بل هو في أمس الحاجة إلى دعائك أنت الذي لا زلت على قيد الحياة، أُدع له، قُل كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زيارة المقابر: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية"...أدع الله لك ولكل ميت... تذكَّر الموت...ثم غادر المكان، ولا تشارك من ضل في ضلالته، ولا تكثِّر سواد التائهين.. أما قولك: يُتقرب بهم إلى الله، فاعلم ثبت الله قلبي وقلبك على دينه، أنك لست في حاجة إلى من يقربك إلى الله، اسمع لقول ربك وهو يقول: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، إنه قريب قريب قريب، فاستجب له وآمن به تَرشُد وتهتدي، وإذا كنت ترغب في القرب منه جل وعلا، فعليك بأداء ما فرض عليك ثم اجتهد فيما سنَّ لك النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم من نوافل...جاء في الحديث القدسي من رواية أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...).

غرام الشوق
23-09-2020, 07:41 PM
لَذة عِشّق♪♥
..
يعطيك العافيه ع المجهود
وسأظل أردد .. ما شاء الله
هطول ثري وطرح رائع يوشم
بالتميز لشخصية عذبة أكثر تميز
كل الشكروالتقديرلاعدمنا عطائك
بنتظار جديدك بكل شووق ولهفه
،
ودي وأكليل وردي

:200 (53):

أمير المحبه
24-09-2020, 04:55 AM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

حكآيتي آنتْ♚
24-09-2020, 03:51 PM
بارك الله فيك
ولا حرمك الأجر
دمت برضى الله وفضله

سلسبيل
26-09-2020, 01:39 AM
بارك الله فيك
عاشت الايادي دوم التالق
يعطيك الف العافيه
وسلمت اناملك المتألقه لروعة طرحها
تقديري لك..
:wahjj.1:

صمت
26-09-2020, 08:14 PM
جزاك الله كل الخير وجمال الحسنات
ربي يسلم هالديات
مع تحياتي وتقديري

صمت
26-09-2020, 08:15 PM
جزاك الله كل الخير وجمال الحسنات
ربي يسلم هالديات
مع تحياتي وتقديري

وليد
28-09-2020, 04:20 PM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك بموازين حسناتك
ويعطيك العافيه ع الموضوع
الرائع
شكرا لك

غزل بنت سلطان
29-09-2020, 12:13 PM
سلمت آناملك آلمتألقه لروعة طرحهآ..
ودي لك ولروحك ,,~

̨؏ ـطر
06-10-2020, 03:30 PM
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

يحيى الشاعر
21-10-2020, 12:40 AM
..




جزَآك آللَه خَيِرآ


علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم


وًجعله فيِ ميِزآن حسًنآتكْ


وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ


الفًردوسَ الأعلى


دمت بحفظ الله



http://www.nalwrd.com/vb/upload/4121nalwrd.gif

احمد الحلو
29-01-2021, 03:06 PM
طرح مميز وانتقاء ثري جُزيت خيرا

جهد مميز ورائع سلمت الايادي

تحياتي القلبية وسوسنتي الحلوة

احمد الحلو

نقطه
02-04-2021, 07:50 PM
https://files2.up4.cc/2020-12/160889088182481.gif

ندووشاا
16-05-2023, 07:49 PM
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك...
ننتظر جديدك...