المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير الربع الأخير من سورة فاطر


نزف القلم
14-11-2020, 10:11 AM
الربع الأخير من سورة فاطر


• الآية 15، والآية 16، والآية 17: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ﴾ يعني: أنتم المحتاجون إلى الله في كل شيء، ولا تستغنون عنه طرفة عين،﴿ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ عن جميع خلْقه، ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته، ﴿ إِنْ يَشَأْ ﴾ سبحانه ﴿ يُذْهِبْكُمْ ﴾ أي: يُهلككم أيها المُشركون ﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ يُطيعونه ولا يُشركون به شيئًا ﴿ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ يعني: وما إهلاككم والإتيان بغيركم بصَعبٍ على اللهِ تعالى، بل هو سهلٌ عليه يسير، فإنه سبحانه يقول للشيء كُن فيكون.


• الآية 18: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ أي: لا تَحمل نفسٌ ذنبَ نفسٍ أخرى، إلا إذا كانت سببًا في إضلالها، (ولم تَتُب عن ذلك الإضلال)،﴿ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا ﴾ يعني: وإنْ تَطلب نفسٌ مُثقَلَةٌ بالخطايا مَن يحملعنها ذنوبها: ﴿ لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ أي: لا تجد مَن يَحمل عنها شيئًا مِن هذا الحِمل ﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ يعني: ولو كان الذي سألتْه مِن أقربائها (كالأب والأخ ونحوهما).

♦ ولمَّا لم يتأثَّر المُشركون بهذا الإنذار، قال الله لرسوله - ليُصَبِّرَه على تكذيبهم -: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ يعني: إنما ينفع تحذيرك - أيها الرسول - الذين يخافون عذاب ربهموهُم لا يرونه في الدنيا ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ يعني: وأدَّوا الصلاة في أوقاتها - باطمئنانٍ وخشوع - كما أمَرَاللهُ ورسوله، ﴿ وَمَنْ تَزَكَّى ﴾ أي: تَطَهّر مِن الشِّرك والمعاصي والأخلاق السَّيِّئة، ﴿ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ﴾؛ لأنَّ ثواب ذلك سيعود عليه وحده، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ يوم القيامة، فيجازي كُلًا بما يستحق.


• من الآية 19 إلى الآية 24: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ أي: لا يَتساوَى الكافر (الذي عَمِيَ عن آيات اللهِ تعالى رغم وضوحها) والبصير الذي أبْصَرَ آيات اللهِ فآمَنَ بها، ولم يَتكبر عن الانقياد للحق، ﴿ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴾ أي: لا تَتساوَى ظُلُمات الجهل والكفر والمعاصي (وما يَنتج عن ذلك من القلق والحيرة) مع نور العِلم والإيمان والاطمئنان بذِكْر الله وتوحيده، ﴿ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴾ (والحَرور هي الريح الحارة)، فكذلك لا يَتساوى ظلَّ الجَنَّة وَحَرُّ النار، ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾ أي: لا يَتساوَى أحياءالقلوب بالإيمان، وأموات القلوب بالكفر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ (سماعَ فَهْمٍوقَبول)، وهم الذين طلَبوا الهداية مِن ربهم، ولم يَتَّبعوا أهواءهم وشهواتهم، ﴿ وَمَا أَنْتَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ (فكما أنك لا تُسمِع الموتى فيقبورهم، فكذلك لا تُسمِع هؤلاء الكفار لمَوت قلوبهم)، ﴿ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما أنتَ إلا نذير لهم مِن غضبالله وعقابه، وليس عليك هدايتهم، ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ ﴾ الواضح، لتكُون ﴿ بَشِيرًا ﴾ أي: مُبَشِّرًاللمؤمنين بالجَنَّة، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للعصاة والمُكَذِبين من النار، ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما مِن أمَّةٍ سبقتْ إلا جاءها نذيرٌ يُحَذِّرها عاقبة كُفرها وضلالها.


• الآية 25، والآية 26: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ ﴾ يعني: إن يُكَذِّبك مُشرِكوا قومك أيها الرسول فاصبر على تكذيبهم وإيذائهم، ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ مِثل تكذيبهم، وذلك عندما ﴿ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي: بالمعجزات الواضحات الدَّالَّة على نُبُوَّتهم، ﴿ وَبِالزُّبُرِ ﴾ أي: جاؤوهم بالكتب السماوية، ﴿ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ أي: وهذه الكتب السماوية فيها نورٌ يَكشف الظُلُمات بِبَيَان الحُجَج، وكَشْف الحقائق، ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بأنواع العذاب، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ أي: فانظر كيف كان إنكاري عليهم وعقوبتي لهم؟

♦ واعلم أن الواو التي بين كلمة: ﴿ الزُّبُرِ ﴾، وبين كلمة: ﴿ الْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾: تُسَمَّى(عطف بيان)، يعني عطف توضيح، لِتُبَيِّن أنّ هذه الكتب هي كتب منيرة، وليس معناها أن(الزُّبُرِ) شيءٌ (وَالْكِتَابِ الْمُنِير)شيءٌ آخر، فكأنَّ المعنى: [ جاؤوا بالزُبُر التي هي كتب منيرة ]، وهذا مِثل قول أحدهم: (هذا هو اللقاء الثالث والأخير)، يعني: هذا هو اللقاء الثالث، وهو نفسه اللقاء الأخير.

• الآية 27، والآية 28: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾، (فسَقَينا به أشجارًا في الأرض)، ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾؛ (فمنها الأحمر، ومنها الأسود، والأصفر، وغيرذلك) ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ ﴾ أي: وخَلَقْنا مِن الجبال طُرُقًا بيضاء يسير فيها الناس (إذ الجُدَد جمع جُدَّة وهو الطريق) ﴿ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ﴾ يعني: ومِن الجبال أيضًا خَلقْنا طُرقًا مختلفًا ألوانها (فمنها الأحمر، والأصفر والأبيض، والجبال نفسها كذلك) (عِلمًا بأنَّ اللون الواحد تختلف درجاته أيضًا)، ﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ أي: طُرق وجبالٌ شديدة السَّواد (إذ الغَربيب: هو الشيءُ شديد السواد، كلَون الغراب)، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ ﴾ (وهو كل ما يَدبُّ على الأرض) ﴿ وَالْأَنْعَامِ ﴾ (وهي الإبل والبقر والغنم)، (وقد خَصَّ سبحانه الأنعامَ بالذِّكر مِن بين سائر الدوابِّ لِكثرة منافعها للناس)، وقد خَلَق سبحانه مِن الناس والدوابِّ والأنعام ما هو ﴿ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ﴾ أي: كاختلاف ألوان الثمار والجبال والطُّرق التي فيها.

♦ ولمَّا كان هذا الكلام لا يُدركه إلا المتفكرونَ في خَلق الله، ولا يَعتبر به إلا العالمونَ بقُدرة الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ يعني: إنماالذين يخشون اللهَ تعالى ويتَّقون عقابَه: هم العلماءُ مِن عباده، وهم الذين يعلمون عظَمتَه وجلالهوقُدرته على كل شيء، (وأمَّا أهل مكة، فهم لا يتفكرون ولا يَهتدون، إذًا فلا غرابة في أنهم لم يخافوا اللهَ تعالى ولم يُوَحِّدوه)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ لا يَمنعه مانع مِمَّا أراد، قادرٌ على الانتقام ممَّن أَشرَك به وعصاه، ولكنه أيضًا ﴿ غَفُورٌ ﴾ لكل مَن تاب إليه وطلبَ رضاه، (ولو عَرف العُصاة والمُشركون هذا، ما أصَرُّوا على ضلالهم، ولَسارَعوا بالتوبة إلى ربهم).

• الآية 29، والآية 30: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ أي: يقرؤون القرآن ويَعملون به ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ أي: داوَموا عليها في أوقاتها (بشُروطها وأركانها)، ﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ أي: أخرَجوا مِن أموالهم: (الزكاة المفروضةوالصدقات المُستحَبَّة) ﴿ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ أي: في الخَفاء والعَلَن، أولئك ﴿ يَرْجُونَ ﴾ بتلك الأعمال ﴿ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ أي: تجارة لن تَفسد (وهي رضا ربهم ورحمته والفوز بجَنَّتِه)، فهُم يَرجون أن تكون أعمالهم سببًا في حصولهم على رحمة ربهم ليُدخلهم بها جَنَّته، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾ أي يَرجون بأعمالهم رحمة ربهم.

♦ وقد وَفَّقهم سبحانه لهذه الأعمال الصالحة ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ﴾ أي: يُعطيهم ثوابهم كاملًا، ﴿ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بمضاعفة حسناتهم، ﴿ إِنَّهُ غَفُورٌ ﴾ لسيِّئاتهم، ﴿ شَكُورٌ ﴾ لأعمالهم، إذ يُثِيبهم على القليل بالكثير، (وفي هذا دليلٌ على فضل تلاوة القرآن والعمل به، وإقام الصلاة وإخراج الصدقات).

• الآية 31: ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ - وهو القرآن الذي يُؤجَر المؤمنون بتلاوته - ﴿ هُوَ الْحَقُّ ﴾ مِن ربهم (إذ كُلُّ ما فيهحقٌّ وصِدق)، وقد نَزَلَ ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ أي: مُوافقًا للكتب السماوية السابقة (مُصدقًا لِمَا فيها مِن صِحَّة، ومبيِّنًا لِمَا فيها مِن تحريف)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ ﴾ بشؤونهم وما يحتاجونه، فلذلك أنزل إليهم هذا الكتاب العظيم، ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بأعمالهم - هل يؤمنون بهذا الكتاب ويعملون به أو لا؟ -وسيجازيهم على ذلك.


• الآية 32، والآية 33، والآية 34، والآية 35: ﴿ ثُمَّ ﴾ بعد هلاك الأمم المُكَذِّبة ﴿ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ يعني: أعطينا القرآن لمَن اخترناهم مِن أمَّة محمد: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ بالتقصير في العمل، وارتكاب بعض المعاصي، ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ وهو المؤدِّي للواجبات،المُجتنِب للمُحَرَّمات، ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ أي: مُسارِع في الأعمالالصالحة، مُجتهد في فِعل فَرْضِها ونفْلها، مُجتنِب للكبائر والصغائر، وذلك ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ وتوفيقه له، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي: إعطاء الكتاب والعمل به ﴿ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾، وأعظم ثمرة تَنتج لمَن اتَّبع ذلك الفضل: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ أي: جنات الخلود، التي ﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾، و﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾ أي: يَتزيَّنون فيها بأساور من ذهب، وأساور من لؤلؤ (أو أساور مِن لؤلؤ مُرَصَّع بالذهب)، ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ أي: لباسهم المعتاد في الجَنَّة - رجالًا ونساءً - هو الحرير، ﴿ وَقَالُوا ﴾ حين دخلواالجَنَّة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ أي: أذهَبَ عنا كل حزن وخوف وضِيق وهَمٍّ، وأعطانا الفرحة، وراحة الجسد والبال، والتلذُّذ بأصناف النعيم، ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ ﴾ حيث غفر لناالزَلَّات، ﴿ شَكُورٌ ﴾ حيث قَبِلَ مِنَّا الحسَنات وضاعَفَها، وهو ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ﴾ أي: أنزلَنا دار الإقامة (وهي الجَنَّة)، فرَزَقنا الخلودَ فيها ﴿ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ ﴿ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ (والفرق بين النصب واللغوب: أن النصب هو التعب أثناء العمل، واللغوب هو الإعياء الناتج بعد العمل)، فهم لا يصيبهم في الجَنَّة شيءٌ مِن هذا لأنهم ليسوا مكلَّفين فيها بفِعل العبادات (جَعَلَنا الله مِن أهل الجَنَّة).

♦ وقد كان أحد السلف يقول: (مَن طلب الراحة: ترَكَ الراحة)، يَعني مَن طلب الراحة في الآخرة: ترَكَ الراحة في الدنيا، واجتهد في الطاعة.

• الآية 36، والآية 37: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ ﴾ بالموت﴿ فَيَمُوتُوا ﴾ ويستريحوا، ﴿ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ﴾ ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ يعني: وبمِثل ذلك الجزاء يَجزي اللهكلَّ مُصِرٍّ على الكفر، ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ أي: يَصْرُخون مِن شدة العذاب في النار مستغيثين: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا ﴾، ورُدَّنا إلى الدنيا: ﴿ نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾، فيقول الله لهم: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ﴾ يعني: ألم نُمْهلكم في الحياة وقتًا كافيًامِن العُمُر، يتَّعظ فيه مَن أراد الاتِّعاظ، ﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لمتتذكروا، ولم تتعظوا، ﴿ فَذُوقُوا ﴾ عذاب جهنَّم ﴿ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ يَنصُرهم وينقذهم مِن عذابربهم.


• الآية 38: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي: مُطَّلع على كل غائبٍ في السماوات والأرض، (ومِن ذلك إصرار الكافر على كُفره ولو عاش طُوال الحياة)، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي: عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور مِن النِيَّات والخواطر، (فاحذروا أن يَطَّلع عليكم وأنتم تُخفون في صدوركم ما لا يُرضيه، واعلموا أن القلب هو مَحلُّ نظَر الرَّبِّ).


• الآية 39: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي: يَخْلُف بعضكم بعضًا في الأرض، ﴿ فَمَنْ كَفَرَ ﴾ أي: جَحَدَوحدانية الله: ﴿ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾؛ لأنه لن يَضُرَّ بهذا الكفر إلا نفسه، ﴿ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ﴾ أي: كُرْهًا وغضبًا، ﴿ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴾ أي: هلاكًا وخسارةً في الدنيا والآخرة (إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة).

• الآية 40، والآية 41: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للمشركين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ ﴿ أَرُونِي ﴾ يعني: أخبروني ﴿ مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ﴾ يعني: أيُّ جُزءٍ خلقوه منها حتى يستحقُّوا عبادتكم؟!، ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ يعني: أم أنَّلهم شِركًا مع الله في خَلْق السماوات؟!، ﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ ﴾ يعني: أمأعطينا المشركين كتابًا فهم على حُجَّةٍ مِن صحَّة شِركهم؟! ﴿ بَلْ ﴾ أي: ليس الأمر كذلك، ولكنْ: ﴿ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴾ أي: ما يَعِدُ الكافرون بعضُهم بعضًا إلاخداعًا إذ قالوا: (إنَّ آلهتنا تَشفع لنا عند ربنا وتُقَرِّبنا إليه)، وهذا باطلٌ لا دليلَ عليه.


♦ ثم يُخبر تعالى عن عظيم قُدرته ولُطفه بعباده قائلًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ أي: يُمسكهما حتى لا تزولا عن مكانهما، ويمنعهما من الاضطراب (إذ لو زالَتا واضطرَبَتا، سوف يتَدَمَّر العالم كله في لحظات)، ﴿ وَلَئِنْ زَالَتَا ﴾: ﴿ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ يعني: ما استطاع أحدٌ أن يُمسكهما مِن بعد إمساك الله لهما، لأنه لا يَقدر على ذلك إلا الله تعالى، ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ﴾ في تأخير العقوبةعن الكافرين والعُصاة، رغم قُدرته على إهلاكهم، ﴿ غَفُورًا ﴾ لِمَن ندم على ذنبه واستغفر.


• الآية 42، والآية 43: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ أي: أقسم كفار قريش - بأغلظ الأيمان - أنهم ﴿ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ أي: رسولٌ من عند الله: ﴿ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ﴾ أي: لَيَكونُنَّ أكثر استقامة واتِّباعًا للحق من اليهود والنصارى وغيرهم،﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ وهو محمد صلى الله عليه وسلم - الذي يَعرفون أمانته وصِدْقه - ﴿ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ أي: ما زادهم مَجيئه إلا بُعْدًا عن الحقونفورًا منه.

♦ وقد كان هذا النفور ﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ﴾ عن الانقياد للحق،﴿ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ﴾ أي: خداع الناس بالباطل ليَصُدُّوهم عن الهدى والإيمان (بالأقوال الكاذبة والاتهامات الباطلة)، ﴿ وَلَا يَحِيقُ ﴾ أي: لا يُحيط ﴿ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ أي: العاملينَ به (فإنَّ عاقبة المكر السيِّئ تعُود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب) ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: فهل ينتظر هؤلاء المستكبرونَ الماكرون إلا طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذااستمَرُّواعلى تكذيبهم وعِنادهم؟!،﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ يعني: لن يستطيع أحد أن يُغَيِّر طريقة الله في كَوْنه، ولا أنيُحَوِّل العذاب عن نفسه أو عن غيره.


• الآية 44: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا ﴾ - أي هؤلاء المُكَذِبون بالعذاب - ألم يَمْشوا ﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: كيف كان مصير المُكَذِّبين مِن قبلكم (كعاد وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك، ﴿ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ أي: وقد كان أولئك الكفرة أشدَّ قوة مِن كفار "مكة" ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ (لا قوة الكفار ولا غيرها)، ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا ﴾ بأفعال الظالمين،﴿ قَدِيرًا ﴾ على إهلاكهم.


• الآية 45: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ﴾ مِن الذنوب: ﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ أي: لأَهلَكَهم جميعًا، وما تَرَكَ على الأرض مِن أحدٍ يَتحرَّك، ﴿ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ سبحانه ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يعني: إلى وقتٍ محدَّد (وهو نهاية آجالهم) ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ﴾ أي: وقت عقابهم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ لا يخفى عليه أحد منهم، ولا يغيبعن عِلمه شيء مِن أفعالهم، وسيجازيهم بما عملوا مِن خير أو شرٍّ.




وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسَر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدِّيًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمَّن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم مِن سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها اللهُ في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
رامي حنفي محمود

روآية هآدئة
15-11-2020, 04:48 AM
؛
بوركت جهودك الراقيه
جزاك الله حيرا

الغــــريب
15-11-2020, 05:42 AM
بارك الله فيك ولا حرمك الاجر

وليد
15-11-2020, 08:00 AM
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك بموازين حسناتك
ويعطيك العافيه ع الموضوع
الرائع
شكرا لك

ملكة الحنان
15-11-2020, 09:13 PM
جزاك الله كل خير
وبارك لك بعمرك
وكتب لك بكل حرف حسنه

يحيى الشاعر
21-11-2020, 06:55 PM
..


جزاك الله خيرا
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك
دمت بكل خير

http://www.nalwrd.com/vb/upload/4183nalwrd.gif (http://www.nalwrd.com/vb/upload/4183nalwrd.gif)

أمير المحبه
21-11-2020, 10:32 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

الوسيم
23-11-2020, 07:20 PM
موضوع رائع ومميز
طرحت فابدعت دمت ودام عطائك
سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
اعذب التحايا لك

غرام الشوق
26-11-2020, 02:24 PM
بآرگ الله فيگ على الطرح القيم
وجزآگ الخير كله .. واثابگ ورفع من قدرگ
ووفقگ الله لمايحبه ويرضاهـ
دمت بگل خير وسعادهـ..~

سيف ذيزن
28-11-2020, 10:42 AM
تسلم الايااااادي طرحتم فأبدعتم ..
جلب جميل جدا و راااائع ..
دمتم ودام عطائكم ... الله يعطيكم العافية ..
جزاكم الله خير الجزاء .. بأنتظار جديدكم المميز ..
لكم خالص مودتي . .
تقبلوا .. تحياتي

نقطه
31-12-2020, 01:12 PM
https://www.up4.cc/2020-12/160889088182481.gif

احمد الحلو
19-01-2021, 11:42 PM
طرح مميز وانتقاء ثري جُزيت خيرا

جهد مميز ورائع سلمت الايادي

تحياتي القلبية وسوسنتي الحلوة

احمد الحلو

ندووشاا
08-06-2023, 11:16 AM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
لاعدمنا روعتك
ولك احترامي وتقديري