منتديات غرام الشوق - «المجمع الانتخابي».. فكرة فريدة لتقنين «صوت الشعب»

http://www.alriyadh.com/media/thumb/...a5a1c27763.jpg

تعد فكرة المجمع الانتخابي التي من خلالها يتم اختيار الرئيس الأميركي فريدة من نوعها، وحتى يومنا الحاضر لا يعُمل بها إلا في الولايات المتحدة الأميركية! ولعل هذه الخصوصية أتت نتيجة لخصوصية وحداثة تجربة أميركا السياسية. هذه الخصوصية مكنت الآباء المؤسسين من التفكير خارج السرب مع الاستفادة من تجارب الأمم السابقة. كان الخيار المتاح والمتبع في كافة الدول حتى الفيدرالية منها هو التصويت المباشر من قبل المواطن، لكن يبدو أن الآباء المؤسسين وجدوا أن طبيعة الحكم الفيدرالي-الاتحادي- تتطلب الأخذ بالاعتبار أبعادا أكثر تبصراً لتحقيق العدالة بما يتوافق مع نظام الحكم المتمثل في الأفرع الثلاثة للحكومة وفصل السلطات.

لهذه الأسباب ووفقاً لهذه المعطيات تم تبني مفهوم المجمعات الانتخابية من قبل واضعي دستور الولايات المتحدة كبديل عن التصويت الشعبي المباشر أو من قبل الكونغرس. من خلال آلية المجمعات الانتخابية يتم تعيين ناخبين كبار-مناديب-عن كل ولاية، في البداية كانت المجالس التشريعية في الولايات تقرر كيفية اختيار هؤلاء الناخبين وبحلول الثلاثينيات من القرن التاسع عشر؛ أصبح اختيار جميع هؤلاء الناخبين يتم عن طريق الانتخاب الشعبي المباشر للمندوب الذي بدورة يتعهد بالتصويت للمرشح المرغوب به من قبل المواطن.

تنتخب كل ولاية بالتصويت الشعبي كما ذكرنا عدد من الممثلين في المجمع الانتخابي الذي يساوي عدد أعضاء مجلس الشيوخ - اثنان من كل ولاية - بالإضافة إلى عدد مندوبيها في مجلس النواب (435)، بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا-العاصمة واشنطن-التي ليس لها تمثيل في الكونغرس تملك ثلاثة مناديب وبهذا يكون عدد المنادين في نظام المجمع الانتخابي (538) مندوباً يلزم (270) صوتا للفوز في الانتخابات الرئاسية.

يظل السؤال لماذا هذا النظام المعقد وغير المسبوق؟

مربط الفرس وبيت القصيد إذا صح التعبير في الإجابة عن هذا السؤال يكمن في أن الآباء المؤسسين أرادوا أن يؤسسوا لنظام يكون صوت الولاية فيه يحمل ثقل أقوى من صوت الناخب وبهذا يكون أكثر انسجاماً مع نظام الحكم الاتحادي، ومن أجل تحقيق ذلك تقرر أن من يفوز بأغلبية أصوات الناديب داخل الولاية يحصل على أصوات جميع المناديب داخل الولاية بما في ذلك أصوات الخصم وبهذا يكون ثقل الولاية أكبر من ثقل المواطن؛ على سبيل المثال ولاية فرجينيا تملك (13) مندوب عليه من يفوز بصوت (7) يستحوذ على جميع أصوات المنادين. بهذا النظام الفريد يتحقق ما كان يصبو له المؤسسون وهو عدم استحواذ ولاية ذات عدد سكاني ضخم مثل كاليفورنيا على صناعة القرار داخل واشنطن وبالتالي يفقد النظام الاتحادي فعاليته ودورة.

هذا النظام أصبح مهدد بالتغيير بعد اعتلاء الأصوات المطالبة باعتماد التصويت المباشر من قبل المواطن كما هو الحال في باقي دول العالم. المنادين بالتغيير يعتقدون أن صوت المواطن يتم اغتياله داخل نظام المجمعات الانتخابية بمجرد فوز المرشح بأغلبية المناديب، وفي هذا السياق نستشهد بخسارة هيلاري كلينتون أمام ترمب بالرغم من فوزها بالتصويت الشعبي بفارق ثلاثة ملايين صوت أغلبها من ولاية كاليفورنيا. هذه الحالة تكررت أربع مرات عبر تاريخ الانتخابات الأميركية وذلك في عام (1800) و(1824) و(1976) وَمُؤَخَّرًا في انتخابات عام (2000) بين الرئيس الجمهوري السابق جورج دبليو بوش الابن ومنافسة الديموقراطي آل جور. بالرغم من هذه الأحداث والأصوات المطالبة بالتغيير إلا أن ما اتفق عليه الآباء المؤسسون مازال يحكم نظام الانتخابات الأميركية حتى يومنا الحاضر.